#1
|
||||||||||||
|
||||||||||||
تفسير قوله تعالى مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان
السؤال 165094
في الآيات رقم: (19 – 22) من سورة الرحمن ، يشير الله سبحانه إلى بحرين يلتقيان ، ولكل منهما حدوده ، فما الذي يعنيه ذلك ؟ الجواب الحمد لله. أولا : وردت في القرآن الكريم أربع آيات كريمات تذكر عظيم خلق الله عز وجل لكل من البحرين ، العذب والمالح ، وأنهما من عجيب آياته التي أبدعها سبحانه في هذا الكون ، وهذه الآيات هي: ( وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا ) الفرقان/53. ويقول عز وجل : ( أَمَّنْ جَعَلَ الأرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) النمل/61. ويقول سبحانه : ( وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ) فاطر/12. ويقول جل وعلا : ( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ . بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ . فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) الرحمن/19-21. ثانيا : الذي رأيناه عند أكثر أصحاب كتب التفسير أن المقصود بالبحرين هما النوعان المشهوران من المياه الموجودة على وجه الأرض : النوع الأول : الأنهار العذبة . والنوع الثاني : البحار المالحة . والدليل على هذا التفسير قوله تعالى – في وصف البحرين - : ( هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ) فالدليل ينصر ما ذهب إليه الأكثرون ، خلافا لمن قال هما بحران : بحر في السماء ، وبحر في الأرض ، أو بحر فارس والروم ، أو بحر المشرق والمغرب ، أو غيرها من الأقوال الغريبة التي لا يصدق عليها أن أحدها عذب فرات ، والآخر ملحٌ أجاج . ثالثا : وأما البرزخ المذكور بين البحرين في هذه الآيات ، فللعلماء فيه قولان : الأول : أن المقصود بالبرزخ الحاجز بين البحرين ( الأنهار والبحار ) هو الأراضي الواسعة التي تفصل الأنهار عن البحار ، بحيث لا تختلط المياه فيهما ، بل لكل منهما مجراه ومستقره الذي يستقل به عن الآخر . وهذا هو التفسير الظاهري الذي وجدناه عند أكثر المفسرين . يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله : " ( وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا ) أي : بين العذب والمالح ، ( برزخا ) أي : حاجزاً ، وهو اليَبَس من الأرض ، ( وَحِجْرًا مَحْجُورًا ) أي : مانعاً أن يصل أحدهما إلى الآخر " انتهى من " تفسير القرآن العظيم " (6/117) ويقول أيضا رحمه الله : " قوله : ( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ) قال ابن عباس : أي : أرسلهما . وقوله : ( يلتقيان ) قال ابن زيد : أي : منعهما أن يلتقيا ، بما جعل بينهما من البرزخ الحاجز الفاصل بينهما . والمراد بقوله : ( البحرين ) الملح والحلو ، فالحلو هذه الأنهار السارحة بين الناس . ( بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ ) أي : وجعل بينهما برزخا ، وهو : الحاجز من الأرض ، لئلا يبغي هذا على هذا ، وهذا على هذا ، فيفسد كل واحد منهما الآخر ، ويزيله عن صفته التي هي مقصودة منه " انتهى من " تفسير القرآن العظيم " (7/492) ويقول العلامة السعدي رحمه الله : " المراد بالبحرين : البحر العذب ، والبحر المالح ، فهما يلتقيان كلاهما ، فيصب العذب في البحر المالح ، ويختلطان ويمتزجان ، ولكن الله تعالى جعل بينهما برزخا من الأرض ، حتى لا يبغي أحدهما على الآخر ، ويحصل النفع بكل منهما ، فالعذب منه يشربون وتشرب أشجارهم وزروعهم ، والملح به يطيب الهواء ويتولد الحوت والسمك واللؤلؤ والمرجان ، ويكون مستقرا مسخرا للسفن والمراكب " انتهى من " تيسير الكريم الرحمن " (ص/830) التفسير الثاني : أن بين البحرين ، العذب والفرات ، حاجزا لا يظهر للعيان، خلقه الله بقدرته ، يمنع به اختلاط الماء العذب بالماء المالح رغم التقاء الماءين في نهاية مصب الأنهار ، نقله القرطبي عن ابن عباس ، وعزاه السيوطي لرواية عبد بن حميد عن قتادة ، انظر " الدر المنثور " (6/371) قال الإمام القرطبي رحمه الله : " ( وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً ) مانعا من قدرته ؛ لئلا يختلط الأجاج بالعذب . وقال ابن عباس : سلطانا من قدرته ، فلا هذا يغير ذاك ، ولا ذاك يغير هذا ، والحجز المنع " انتهى من " تفسير القرطبي " (13/222) ويقول العلامة الأمين الشنقيطي رحمه الله : " وهذا الحاجز هو اليبس من الأرض الفاصل بين الماء العذب ، والماء الملح على التفسير الأول . وأما على التفسير الثاني : فهو حاجز من قدرة الله غير مرئي للبشر " انتهى من " أضواء البيان " (6/66) ويقول العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله : " جعل الحاجز بين البحرين من بديع الحكمة ، وهو حاجز معنوي حاصل من دفع كلا الماءين أحدهما الآخر عن الاختلاط به ، بسبب تفاوت الثقل النسبي لاختلاف الأجزاء المركب منها الماء الملح والماء العذب . فالحاجز حاجز من طبعهما ، وليس جسما آخر فاصلا بينهما " انتهى من " التحرير والتنوير " (20/13) ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " وقال بعض أهل العلم : بل البرزخ أمرٌ معنوي يحول بين المالح والعذب أن يختلط بعضهما ببعض . وقالوا : إنه يوجد الآن في عمق البحار عيونٌ عذبة تنبع من الأرض ، حتى إن الغواصين يغوصون إليها ويشربون منها كأعذب ماء ، ومع ذلك لا تفسدها مياه البحار ، فإذا ثبت هذا فلا مانع من أن نقول بقول علماء الجغرافيا وقول علماء التفسير ، والله على كل شيءٍ قدير " انتهى من " لقاء الباب المفتوح " (لقاء رقم/7) ويقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله : " البرزخ : إما عازل بينهما ، وإما حاجز بينهما من الأرض ، وهذا من قدرة الله سبحانه وتعالى ، حيث إن هذه البحار تتجاور ويلتقي بعضها ببعض ولا يؤثر بعضها على بعض ، لا المالح ينقلب إلى عذب، ولا العذب ينقلب إلى مالح، بل كل منهما يبقى بخصوصياته " انتهى من " مجموع فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان " (1/179) ولا مانع من اختيار كلا القولين في تفسير الآية ، إذ يصدق كل منهما ولا تعارض بينهما ، فالحاجز يصدق على اليابسة التي فصلت بين الأنهار والبحار ، ويصدق على الحاجز المعنوي ( فرق الكثافة ) الذي يتحدث عنه علماء البحار اليوم ، وهذا من اختلاف التنوع وليس من اختلاف التضاد . يقول الدكتور حسين الحربي : " النوع الأول من الخلاف ، وهو ما إذا كان جميع الأقوال محتملة في الآية ، ونصوص القرآن والسنة شاهدة لكل واحد منها ... – وذكر أمثلة - فمثل هذا الخلاف محتمل ، وكل الأقوال فيه حق ، ولا يدخله ترجيح لكون الأقوال صحيحة ، وجميعها مراد من الآية ، والقرآن يشهد لكل واحد منها " انتهى من " قواعد الترجيح عند المفسرين " (1/42-45) والله أعلم . هل انتفعت بهذه الإجابة؟
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
اخر 5 مواضيع التي كتبها تاج النساء | |||||
المواضيع | المنتدى | اخر مشاركة | عدد الردود | عدد المشاهدات | تاريخ اخر مشاركة |
السر في اسم محمد | سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ودعوته للدين الإسلامي | 0 | 32 | 05-28-2024 04:04 AM | |
مرحبا بك معنا يا ٱلغّےـلٱ | اهلا وسهلا بكم في حلب الشهباء الترحيب بكم | 0 | 51 | 05-27-2024 06:30 PM | |
واقع أليم | اوراق مبعثرة | 1 | 76 | 05-26-2024 12:26 PM | |
طريقة التيمم الصحيحة | نفحات اسلامية | 1 | 58 | 05-26-2024 12:23 PM | |
عصر الصمت | اوراق مبعثرة | 1 | 110 | 05-25-2024 07:23 PM |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
تفسير قوله تعالى الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة | تاج النساء | علوم القرآن الكريم | 1 | منذ 4 أسابيع 11:08 AM |
تفسير سورة سورة الفلق من كتاب تفسير القرآن الكريم | عطر الشذى | علوم القرآن الكريم | 1 | 04-16-2024 07:06 PM |
معنى قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا﴾ | عطر الشذى | علوم القرآن الكريم | 1 | 04-02-2024 11:36 AM |
مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان | بنت الشام | معلومات حديثة اثبتت الدراسات إعجاز القرآن الكريم | 1 | 03-24-2024 08:14 PM |
مصادر: وزيرا خارجية السعودية وإيران يلتقيان في بكين الخميس | براء | أخبار العربية والعالمية | 1 | 04-05-2023 05:29 AM |