الْغَنِيُّ جَلَّ جَلَالُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ
الْغَنِيُّ
جَلَّ جَلَالُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ
الْغَنِيُّ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ:
الْغَنِيُّ فِي اللُّغَةِ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ لِمَنِ اِتَّصَفَ بَالْغِنَى، فِعْلُهُ غَنِيَ غِنًى وَاسْتَغْنَى وَاغْتَنَى فَهُوَ غَنِيٌّ.
وَالْغِنَى فِي حَقِّنَا قِلَّةُ الْاِحْتِيَاجِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ نِسْبِيٌّ، وَيَتَحَقَّقُ غَالِبًا بِالْأَسْبَابِ الَّتِي اُسْتُؤمِنَ عَلَيْهَا الْإِنْسَانُ وَاسْتَخْلَفَهُ اللهُ فِيهَا كَالْأَمْوَالِ وَالْأَقْوَاتِ الَّتِي يَدْفَعُ بِهَا عَنْ نَفِسِهِ الْحَاجَاتِ وَمُخْتَلَفَ الضَّرُورِيَّاتِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ﴾ [التوبة: 93].
وَالْغِنَى إِنْ تَعَلَّقَ بِالمَشِيئَةِ فَهُوَ وَصْفُ فِعْلٍ كَقَوْلِهِ سبحانه وتعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 28].
وَقَوْلِهِ: ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى﴾ [النجم: 48].
وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالمَشِيئَةِ فَهُوَ وَصْفُ ذَاتٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 97].
وَكَقَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [فاطر: 15].
وَالْغَنِيُّ سُبْحَانَهُ هُوَ المُسْتَغْنِي عَنِ الْخَلْقِ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَسُلْطَانِهِ، وَالْخَلْقُ جَمِيعًا فُقَرَاءٌ إِلَى إِنْعَامِهِ وَإِحْسَانِهِ، فَلَا يَفْتَقِرُ إِلَى أَحَدٍ فِي شَيءٍ، وَكُلُّ مَخْلُوقٍ مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْغِنَى المُطْلَقُ، وَلَا يُشَارِكُ اللهَ تَعَالَى فِيهِ غَيرُهُ، وَالْغَنِيُّ أَيْضًا هُوَ الَّذِي يُغْنِي مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ عَلَى قَدْرِ حِكْمَتِهِ وَابْتِلَائِهِ.
وَأَيُّ غَنيٍّ سِوَى اللهِِ فَغِنَاهُ نِسْبِيٌّ مُقَيَّدٌ، أَمَّا غِنَى الْحَقِّ سُبْحَانَهُ فَهُوَ كَامِلٌ مُطْلَقٌ، وَمَهْمَا بَلَغَ المَخْلُوقُ فِي غِنَاهُ فَهُوَ فَقِيرٌ إِلَى اللهِ؛ لَأَنَّ اللهَ هُوَ المُنْفَرِدُ بِالْخَلْقِ وَالتَّقْدِيرِ وَالمُلْكِ وَالتَّدْبِيرِ فَهُوَ المَالِكُ لِكُلِّ شَيءٍ، المُتَصَرِّفُ بِمَشِيئَتِهِ فِي خَلْقِهِ أَجْمَعِينَ، يُعْطِي مَنْ يَشَاءُ مَا يَشَاءُ مِنْ فَضْلِهِ، وَقَسَمَ لِكُلِّ مَخْلوقٍ مَا يَخُصُّهُ فِي حَيَاتِهِ وَرِزْقُهُ، وَعَطَاؤُهُ لَا يَمْتَنِعُ، وَمَدَدُهُ لَا يَنْقَطِعُ، وَخَزَائِنُهُ مَلْأَى لَا تَنْفَدُ.
رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَدُ اللهِ مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاواتِ وَالْأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ، عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْمِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ».
وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: «يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مَمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ».
فَالْغَنِيُّ عَلَى سَبِيلِ الْإِطْلَاقِ وَالْقِيَامِ بِالنَّفْسِ هُوَ اللهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ سِوَاهُ، فَهُوَ الْغَنِيُّ بِذَاتِهِ عَنِ الْعَالَمِينَ، المُسْتَغْنِي عَنِ الْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ، وَاتِّصَافُ غَيْرِ اللهِ بَالْغِنَى لَا يَمْنَعُ كَوْنَ الْحَقِّ مُتَوَحِّدًا فِي غِنَاهُ؛ لَأَنَّ الْغِنَى فِي حَقِّ غَيْرِهِ مُقَيَّدٌ، وَفِي حَقِّ اللهِ مُطْلَقٌ، وَهَذَا وَاضِحٌ مَعْلُومٌ، وَذَلِكَ مُضْطَرِدٌ فِي جَمِيعِ أَوْصَافِهِ بِاللُّزُومِ
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|